عاشق النظافة. ..مجنونا. بقلم الأستاذ الأديب وعد الله حديد

عاشق النظافة.....مجنونا.

مدونة بقلم وعد الله حديد

في السادس من تموز 2019

في ستينات القرن الماضي...

 اعتاد سعيد افندي ان يجوب طرقات المدينة وميادينها ,يبحث ويفتش في كل ركن وزاوية ,يكاد ظهره ان يشكل خطا متوازيا مع الارض لشدة تقوسه, فالمطاعم و المقاهي  والامكنة جميعا هي ضمن اهتماماته,انه ربما يبحث عن شئ سبق ان فقده يوما

ترى عن ماذا يبحث هذا الرجل و هل هو فاقد لقواه العقليه ام هو محتفظا ببعضها كي يقوم بمثل ما يقوم به . انه ليس تسكعا وهدر وقت على اية حال فليس في منظره مايدلل على ذلك.فالزمن متوقف لديه منذ عهد غير قريب.

انه يلتقط اعقاب السكائر وليس غير ذلك فيودعها في كيس قذرة ملقاة على كتفه ,الكيس استحال لونه الى شبه لون ليس له مواصفات او ابعاد ,اما عن اية نفايات اخرى فلا شأن له بها وكأنني به مبرمج الى حد ما .

وتقوده رجلاه التعبتان المتقوستان الى نهر دجلة فيلقي بأوزار المدينة واعقاب سكائرها الى النهر من فوق الجسر العتيق .

والرجل نفسه لا ملامح له,لقد تركت السنون آثارا على وجهه وتجاعيد لا ترقى الى عدد سنين عمره,

تقوس ظهره واستحال شعر رأسه الى مايشبه حبالا ملفوفة مما يدل على انه قد خاصم الاستحمام لفترة لايمكن حصرها وراح مجمل مظهره يبعث على الشفقة والاشمئزاز بتوقيت واحد.

ليس محسوبا على الرعاع, انما هو من اصول عريقة لايخفى صيته ونسبه على الذين عرفوه عن قرب,

انه سعيد افندي,المعلم في المدرسة الفلانية,المتوج بالاخلاق الملتزم بمواقيت الحصص صاحب الذوق الرفيع وفوق ذلك كله

فهو ,مهووس النظافة دون منازع والمولع بها حد التخمة,انها عشقه الازلي الذي ما تخلى عنه الا مجنونا,

نعم ,فقد استحال ولهه بالنظافة الى طقوس غريبة ,فوجد نفسه على حين غرة يعشق اناسا يتوسم فيهم النظافة قبل اي شئ اخر ولا يلقي بالا للاخرين الذين لايمتون للنظافة بصلة.

لقد اختار سعيد الطريق الخاطئة بالاختيار,فالناس حوله لايأبهون الى شئ اسمه النظافة والتطهر,يكرهون النظام والتحضر

ويسيرون في طوابير باتجاه الفوضى والتسيب ويرمون بنفاياتهم كيفما اتفق مما سبب له صداعا على الدوام ,وتزايدت حدة الصداع يوما لديه وتسللت الى تلافيف مخه تداعيات ذلك الوضع فأحاله الى معتوه ثم ساء الوضع يوما فانقلب سعيد مجنونا مع سبق اصرار يجوب الطرقات فيلتقط نوعا واحد من النفايات ضنا منه ان ذلك النوع سبب ازمة النظافة التي تعاني منها المدينة

سعيد افندي الذي عاش فترة ستينات ذلك العصر الجميل نظيفا ملتزما مكتمل المزايا والخصال يعيش بقية عمره متسخا لا يدل مظهره على انه عشق النظافة يوما.

تحية ورحمة لسعيد افندي لمناصرته مشروع النظافة غير المعلن وتبنيه عن نية صادقة مهمة التخلص من النفايات حتى لو كان المتضرر نهر دجلة, النهر الذي لن يتسخ ابدا طالما انه يجري الى اجل غير مسمى

وتحية لاولئك الذين عاصروا سعيد افندي وانا,كاتب المقالة,احد اولئك المعاصرين.

تعليقات

المشاركات الشائعة

مبارك من القلب الدكتوراه الفخرية. د.عبد العزيز بن صالح بن عبدالله الدخيل.

يايها العمر .Nagwa Shafeek

حلم.بقلمي:الكاتبة زهراء الركابي✍️